||.. وَظِيفَتُنـا الْحَقِيقِيَّـةُ ..||
الحمدُ للهِ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَن والاه .
وبعـد ..
كثيرٌ
مِنَّا يبحثُ عن وظائِفَ هـذه الأيَّام ، ويَحرِصُ كُلَّ الحِرصِ على أن
يكونَ دَخلُها كبيرًا ، وراتِبُها مُجزي ، وليس في هـذا عَيْب ، فظروفُ
الحياةِ ومُتطلَّباتُها تستدعي ذلك .. لكنَّ
الكثيرين مِنَّا - للأسف - تناسَوا الوظيفةَ الأساسيَّةَ التي خُلِقَوا
لأجلِها ، وانغمسوا في ملَذَّاتِ الحياة ، وهُمُومِهَا ، ومَشاغِلِها .
لقـد خلقنا اللهُ سبحانه وتعالى لوظيفةٍ واحـدة ، أخبرنا بها فى قوله : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ الذاريات/56 .
كثيرٌ
مِن المُسلمين أغرتهم الدنيا بكُلِّ ما فيها مِن مُتَع . جذبتهم إليها
وجعلت قلوبَهم مُعلقةً بها ، لا يسعون إلَّا إليها ، ولا يُفكِّـرُونَ
إلَّا فيها ، ولا يَهتمُّون إلا بها ، ولا يُحِبُّونَ غيرَها . جعلتهم
ينسون أنَّ الدنيا فانية ، وأنستهم ما أخبر به اللهُ عزَّ وجلَّ عنها فى
قوله : ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عمران/185
. أنسته أنَّ الآخرةَ هِىَ الباقية ، وأنَّها دارُ القـرار ، فأخذ
يتكالبُ على حياةٍ زائلة ، وابتعـد تمامًا عن الآخرة ، يقول جلَّ وعلا : ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾ القيامة/20-21 . ويقول النبىُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( إنَّ الدنيا حُلوةٌ خَضِرَة ، وإنَّ الله تعالى مستخلفكم فيها ، فينظرَ كيف تعملون ، فاتَّقوا الدنيا واتَّقوا النساء )) رواه مسلم ، وعن أبي هُريرة - رَضِىَ اللهُ عنه - قال : سمعتُ رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يقول : (( الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها ، إلَّا ذِكر الله وما والاه ، وعالمًا ومتعلمًا )) رواه الترمذىُّ وابنُ ماجه وحَسَّنه الألبانىُّ . وقال الألبانىُّ : المُرادُ بالدُّنيا : كُلُّ ما يُشغِلُ عن الله تعالى ويُبعِـدُ عنه .
لقد نسى الإنسان الوظيفةَ التى خلقه اللهُ تعالى لأجلها ، ألا وهى العبادة
، وسار وراءَ شهواته ، واتَّبَعَ هواه . وما عَلِمَ أنَّه بذلك قـد ضَلَّ
عن الطريق المُستقيم ، وأصبح ظالمًا لنفسِهِ بعـدم اتِّباعه للحق ، يقول
الله جل وعلا: ﴿ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ القصص/50 . وعن حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( تُعرَضُ
الفِتَنُ على القلوب كَعَرْضِ الحصير عُـودًا عُـودًا ، فأَىُّ قلبٍ
اُشربَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء ، وأَىُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَت فيه
نُكتةٌ بيضاء ، حتى تعـودَ القلوبُ على قلبَيْن : قلبٍ أسود مِربادًا
كالكُوذ مُجَخِّيُا لا يَعرِفُ مَعروفًا ولا يُنكِرُ مُنكرُا إلَّا ما
أُشرِبَ مِن هواه ، وقلبٍ أبيض لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامت السماواتُ
والأرض )) رواه مسلم .